إذا أردنا الإجابة عن هذا السؤال ببساطة، فستكون الإجابة هي بأنَّ مفهوم اتباع النظام النباتي يعني تجنّب جميع المنتجات المشتقة من الحيوانات، والنحل ليس نباتاً، فهو من الحشرات، والحشرات هي من ضمن مملكة الحيوان، إلا أنَّ الأسباب الحقيقية التي تدفعنا للتوقف عن تناول العسل هي أعمق من ذلك بكثير، وهي ما سنوضحها في مقالنا.
- أهمية النحل
يعد النحل من أهم الكائنات بالنسبة للبيئة والإنسان على السواء، فهو يحافظ على توازن البيئة بالدرجة الأولى، وبالتالي يحافظ على حياتنا أيضاً، بل في الواقع، لن نتمكن من النجاة إذا انقرض النحل، ذلك لأن طعامنا يعتمد على وجودهم، حيث قدّرت وزارة الزراعة الأمريكية أن المُلَقِّحات مثل النحل والفراشات تساهم في تلقيح ما يَقرب إلى (75%) من النباتات المزهرة في العالم، أي أنها تقوم بتلقيح حوالي (35%) من المحاصيل الغذائية مثل الفواكه والخضروات، كما أنها تدعم إنتاج (87%) من المحاصيل الغذائية الرائدة في العالم كله، فيعتمد على النحل كلا من البشر وبقية الحيوانات من أجل استمرار بقائهم، ومع ذلك، قد يُقتل النحل فقط لأن أحدهم يخاف من الحشرات، أو بفضل المبيدات الحشرية، إلا أنّ الأسوء من ذلك كله هو أن يتم معاملته كآلات إنتاج، تماماً مثل البقر والدجاج، و ذلك بهدف انتاج العسل.
- للنحل نظام معقد خاص به
ربما لا يملك النحل القدرة على التعبير عن الألم والتوتر مثل الثديات وحتى الطيور، فلا يمكننا أن نفهم نحن أو مربوا النحل، معنى الرفاهية التي يمكننا أن نقدمها لهم، فنحن نتحدث هنا عن حشرات، والبشر ما زالوا عاجزين عن توفير الحقوق الطبيعية والرفاهية لأنفسهم قبل أن يمنحوا هذه الحقوق لأي حيوان آخر، فما بالك بالحشرات!.
لكن الأمر المثير بشأن النحل، هو أنّه يملك عالمه الخاص، حيث تتكون خلية النحل ذات البنية الهندسية المعقدة من عشرات الآلاف من النحل، ولكل نحلة مهمة خاصة تُحَدَّد فطرياً حسب جنس النحلة وعمرها، وحسب الموسم أو الوقت من العام، كما تحتوي كل خلية على ملكة واحدة ومئات العمال، من الممكن أن تعيش الملكة لمدة تصل إلى خمس سنين، في حين تترواح أعمار بقية النحل من بضعة أسابيع إلى ستة أشهر، حيث يقوم النحل بتلقيح الأزهار وتنظيم الخلية وتهويتها وحماية الملكة، وله لغة تواصل خاصة به، كما يضحي النحل بنفسه فطرياً من أجل حماية الخلية إذا شعر بالخطر، فهو قادر على التفكير والتذكر، بالإضافة إلى تمييز أفراد خليته، والقائمة تطول.
- لماذا يحتاج النحل إلى الحفاظ على عسله؟
تنتج النباتات الرحيق لجذب المُلَقِّحات مثل: النحل، والفراشات، والخفافيش وغيرها، وهذا يعد أحد أهم أسباب نجاح عملية تكاثر النبات، أمّا الرحيق، فيجمعه النحل لاستخدامه في صنع العسل، والذي يوفر غذاءً حيويًا له، خاصةً في فصل الشتاء، حيث تندر الأزهار، ونظرًا لأن الرحيق يحتوي على الكثير من الماء، يعمل النحل على تجفيفه، حيث يضيف النحل إنزيمات معينة من أجسامه إلى الرحيق لتحويله إلى طعام ومنعه من التلف، وتنتج النحلة في حياتها كاملة فقط ملعقة صغيرة من العسل.
- يعامل البشر النحل على أنه آلات لإنتاج العسل
اهتم الناس منذ آلاف السنين بتربية النحل للحصول على العسل، إلا أنَّ وسائل التربية اليوم أصبحت غير ملائمة للنظام البيئي للنحل، ففي عمليات تربية النحل الحديثة يتم نقل مستعمرات النحل لآلاف الأميال من أجل تلقيح أنواع نباتية محددة مثل اللوز، ثم يعود النحل لإنتاج العسل في المستعمرات المخصصة لهم، وبذلك يتم اجبارهم على اتخاذ مسارات محددة ودخيلة على عكس إرادتهم الفطرية، كما أن النحل يُجبرعلى العمل بازدحام في مناحل صناعية مع المئات من المستعمرات الأخرى، في حين أنّ المستعمرات يجب أنْ تكون بعيدة عن بعضها، حيث تهدف أساليب التربية غير الملائمة هذه إلى زيادة إنتاج النحل للعسل بشكل مفرط على مدار الموسم بأكمله، وذلك باقتصار عمل النحل على إنتاج العسل بأكبر قدر ممكن، لذلك فإن هذه المستعمرات لا تهاجر بشكل طبيعي، ويتم في الغالب إجراء عمليات تلاعب بيئي في محيطها.
عادة ما يختار النحل أماكن مرتفعة لصنع الخلية، فيبلغ الارتفاع الطبيعي حوالي خمسة أمتار، إلا أن المستعمرات الصناعية المكتظة تكون قريبة من الأرض، إضافةً للازدحام في المناحل والمستعمرات، تؤدي هذه الظروف إلى اختلال في السلوك الطبيعي للنحل، وإلى تراجع جودة العسل المُنتَج، لكن الأسوء من ذلك، هو التأثير السلبي على البيئة الذي ينجم عن عرقلة عمل النحل الطبيعي في التلقيح.
- تأثير السلوك البشري السلبي على النحل
انخفضت أعداد النحل الطنّان في أوروبا بنسبة (17%) بين عامي (2000) و(2014)، وفي عام (2016) أعلنت الولايات المتحدة أن النحل معرض للخطر لأول مرة على الإطلاق، وفي دراسة أجريت عام (2018) وُجد أنَّ (40%) من مستعمرات نحل العسل في الولايات المتحدة تختفي، ويرجع ذلك جزئيًا إلى انهيار المستعمرات، حيث تحدث هذه الظاهرة عندما يترك النحل خليتهم نتيجة شعورهم بالخطر، ليموتوا بأعداد هائلة.
ويرجع السبب في ذلك إلى استخدام مبيدات الحشرية والمواد الكيميائية والطفيليات، إضافة إلى سوء التغذية الناجمة عن استخدام الزراعة الحديثة والمكثفة على نطاق واسع، عوضاً عن أساليب تربية النحل السيئة التي أوردنا ذكرها، كما يتعرض النحل إلى تهديد كبير من الآثار المشتركة لتغيّر المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث.
- التوقف عن استهلاك العسل هو أقل ما يمكننا فعله لحماية النحل والنظام البيئي.
هناك العديد من البدائل للعسل في السوق، وتشمل شراب القيقب وشراب التمر ورحيق الصبار ورحيق جوز الهند، وغيرها، يمكنك استهلاك ما شئت من هذه البدائل، فهي لن تؤدي إلى انقراض النحل، ثم... ربما انقراضنا نحن وبقية الحيوانات.
المصادر:
https://www.bee-safe.eu/articles/bee-thoughts/animal-welfare-what-about-bees/
https://www.peta.org/issues/animals-used-for-food/animals-used-food-factsheets/honey-factory-farmed-bees/
https://plantbasednews.org/lifestyle/food/is-honey-vegan-the-not-so-sweet-truth/
https://www.livekindly.co/no-bees-no-food-its-that-simple
كتابة: شام منذر
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق