هل من العدل استغلال الحيوانات في التجارب العلمية؟

 

 هل من العدل استغلال الحيوانات في التجارب العلمية؟

على مر العصور أستغل الإنسان الحيوانات في التجارب العملية ولكن هنا يأتي السؤال "هل من العدل إستغلال الحيوانات في التجارب العلمية؟" في المقالة التالية نطرح فكرة التجارب على الحيوانات ومدى جدوتها وهل هناك بدائل لنصل إلي نتيجة للإجابة على هذا السؤال


نستخدم في حياتنا اليومية العديد من المنتجات التي قد لا يكون لنا غنى عنها، مثل مستحضرات التجميل بأنواعها والعقاقير الطبية، لكن لن يخطر ببال أحد منا أن لهذه المنتجات صلة ما بالحيوانات، وهذا صحيح، علماً أنَّه لا يفترض بها أن ترتبط بالحيوانات بأي شكل من الأشكال، إلَّا أنَّ الحقيقة القاسية هي أن الحيوانات غالباً ما تكون أول من يُجرَّب عليه هذه المنتجات قسرياً قبل أن يتم طرحها لنا، فمن المرجح جداً أنه قد تم التضحية بمئات الأرانب اللطيفة للتأكد من سلامة كريم البشرة الذي تستعمله!، وهذه التضحيات في الواقع تتمثل بما يطلق عليه "تجارب الحيوانات". 

تجارب الحيوانات هي ليست كما تظن

فهي اختبارات تُجْرى بشكل قسري على الحيوانات، بهدف معرفة كيفية تأثير المواد الكيميائية أو التغيرات الفيزيائية عليها، وكيفية تفاعلها معها بيولوجياً ونفسياً، وذلك يتم من خلال حصرها في المختبرات وتعريضها لكل ما قد يكون ساماً وخطراً بالنسبة لها، مثل حقنها بالمواد الكيميائية المراد اختبارها، أو تزويدها بها عن طريق الفم، أو إجبارها على استنشاق غازات سامة لأيام، بالإضافة إلى الاختبارات المتمثلة بالتلاعب الجيني والجراحات القسرية، واختبارات تفاعل الحيوانات مع الألم جسدياً ونفسياً، والحرمان من الماء والطعام وغير ذلك.

ما الهدف من هذه التجارب؟

تُجرى الاختبارات لأهداف الدراسات العلمية، مثل الأبحاث البيولوجية والطبية، إضافة إلى دارسة فعالية العقاقير الطبية، ومستحضرات التجميل، وحتى المخدرات، وذلك لأن علم وظائف الأعضاء لدى الحيوانات يتشابه مع علم وظائف الأعضاء عند الإنسان، وعليه، بدلاً من تسخير بشر متطوعين في هذه الأبحاث، سيكون من الأسهل العمل مع الحيوانات. 

ليست الفئران وحدها من تُسْتَخدم في التجارب

من المعروف أنه يتم توظيف الفئران بأنواعها المختلفة في التجارب العلمية، مثل الهامستر والجرذان وخنازير جينيا، لكن تستخدم أيضاً الأرانب والكلاب والقطط على نحو كبير، إضافة إلى الخنازير الصغيرة، الأسماك، الطيور، القرود، الزواحف، وحتى حيوانات المزارع، وبمعنى آخر يمكننا القول: إنَّ كل فصائل الحيوانات على وجه الأرض تقريباً تُسْتَخدم في التجارب العلمية والمخبرية!.

حيث تُقَدَّر أعداد الحيوانات المستخدمة في التجارب في كل عام بحوالي أكثر من (115) مليون حيوان، إلا أنَّ هذا الرقم غير دقيق، لأن نسبة قليلة من البلدان تقوم بجمع المعلومات عن تجارب الحيوانات وتنشرها، فمثلا الولايات المتحدة تستَبْعَد من أرقام الإحصائيات ما يصل إلى (90%) من أعداد الحيوانات المستخدمة في المختبرات، مثل الزواحف وبعض أنواع القرود، وفي الاتحاد الأوربي يُستَخدم سنوياً أكثر من (12) مليون حيوان في التجارب العلمية، وهذا التقدير لا يشمل الحيوانات التي تُقتل دون إجراء اختبارات عليها لكونها "فائضة" ولا حاجة لها.

ما مدى تأثير التجارب على الحيوانات؟

لو تم وضعك محصوراً في مختبر خال من الظروف البيئية الطبيعية منذ لحظة ولادتك، وكل ما تفعله هو استنشاق غازات سامة لأيام متواصلة، أو مشاهدة مجموعة من البشر يدخلون أدوات حادة في جسمك، أو يضعون مواد كاوية على جلدك قد تسبب لك الألم والحكة الشديدين، أو يجبرونك على تناول مواد ضارة، أو يضيفون مواد حارقة إلى عينيك قد تسبب لك العمى، أو يقطعون أجزاءً من جسدك، كيف ستتفاعل مع الأمر؟

سواء صدقت الأمر أم لا، فإنَّ الحيوانات أيضاً تتفاعل بشكل حساس مع هذه الأمور، على الرغم من أنها قد لا تكون مدركة لسبب تعذيبها وإيلامها، أو ما الذي يحدث لها أصلاً، لكنها تتألم وتصاب بالهلع والخوف والاكتئاب، فالأصل أن هذه الحيوانات تسعى للعيش والاستقرار في بيئة آمنة ومريحة لها، وبالتالي فإن كل ذلك الضغط والرعب النفسي والجسدي، يجعلها تفقد سيطرتها على نفسها، فتجدها تمارس ردود فعل وسلوكيات عصبية، مثل الحركة بشكل دوارني باستمرار، أو الحركة ذهاباً وإياباً، أو قد تَنزَع وتَنتُف فرائها، أو تَعُضّ نفسها، إلى أن تموت على إثر ذلك، أو تُقْتَل ببساطة لأن مهمتها قد انتهت! وبذلك تعيش حيوانات التجارب حياتها كاملة لا تفعل شيئاً عدا أنها تعاني وتتعذب فحسب.

 

لا تعود تجارب الحيوانات بالفائدة الكبيرة على البشر في آخر الأمر!

لو أخذنا تجارب الحيوانات المتعلقة بمستحضرات التجميل والمنتجات الطبية كمثال، فقد اتضح أنها في كثير من الحالات لا تتنبأ بشكل صحيح حول مدى استجابة جسم الإنسان لهذه المنتجات، فكثيراً ما تختلف الأعراض التي تظهر على الحيوانات عن الأعراض التي تظهر على البشر، ويُعزى ذلك إلى عدم كفاءة المعلومات التي تقدمها التجارب الحيوانية عن تأثير المنتجات على أجسام البشر، ونتيجة لذلك، فإن تسعة من كل عشرة أدوية تكون مرشحة على أنها آمنة بعد تجربتها على الحيوانات، عادة ما تُعطي نتائج عكسية وتفشل عند استخدامها على البشر.

ومن الأمثلة على ذلك، تم اختبار أكثر من ألف دواء محتمل للسكتة الدماغية على الحيوانات، ولكن واحداً منها فقط قد أثبت فعاليته، كما يعاني أكثر من (300) مليون شخص من الربو اليوم، وقد أجريت التجارب على الحيوانات للتوصل إلى علاج على مدار السنوات الخمسين الماضية ولم يتوفر سوى نوعين من العلاج حتى الآن، وبذلك فإن تجارب الحيوانات غير فعالة بما فيه الكفاية، وهي علاوة على ذلك إهدار للوقت وللموارد الحيوانية والبشرية والمادية، إذْ إنها تؤخر التقدم الطبي وتهدد سلامة المتطوعين من البشر، وتتعدى على حقوق الحيوانات ويزيد.

ومن جانب آخر، فإن تجارب مستحضرات التجميل تحديداً غير ضرورية على الإطلاق، لأن شركات التجميل قادرة على استخدام مكونات لها تاريخ من الاستخدام الآمن في صنع منتجاتها، الأمر الذي يجعل من تجاربها على الحيوانات، ليست إلا ممارسات قاسية وظالمة بحق الحيوانات أكثر من أي شيء آخر.

هل من بديل؟

على الرغم من سلبيات تجارب الحيوانات، فلا يمكننا أن ننكر أنها لعبت دوراً مهما في التاريخ الطبي والعلمي وتطورهما، لكننا نتحدث هنا عن التاريخ، فقد كانت التجارب الحيوانية قديماً هي الطرق الوحيدة المتاحة لاختبار الأدوية والبحث العلمي وغيرهما، لكن بفضل تقدمنا التكنولوجي اليوم، تم ابتكار العديد من التقنيات الحديثة التي يمكنها أن تحل محل التجارب الحيوانية، وقد ثَبُتَ أنها قادرة على تقديم نتائج ذات جودة أكثر دقة وفعالية دون التعدي على حقوق الحيوانات واستنزاف أرواحها، إضافة إلى أنها أوفر مالاً ووقتاً وتطبيقها أسرع بكثير.

فقد تطور علم الأحياء الحسابي، حتى أصبحت الحواسيب قادرة على إجراء الفحوص للخلايا والجزيئات، والتعرف على استجابتها وكيفية تفاعلها مع المواد الكيميائية والعقاقير المختلفة في جسم الإنسان، وهذا يجعل تنبؤات التجارب التكنولوجية أكثر احتمالاً بأن تكون ذات صلة بأجسام البشر مقارنة بالتجارب الحيوانية.

على الرغم من ذلك فإن هذه التقنيات تعد حديثة جداً لذلك فهي مازالت قيد التطوير، وهذا هو السبب في أن تجارب الحيوانات مازالت مستمرة حتى اليوم.

لكن مع ذلك، فإن العالم يتغير، وهنا يأتي دورنا في منع معاناة الحيوانات والتشجيع على تطوير البحوث غير الحيوانية وتطبيقها بشكل أوسع، لتنال الحيوانات حرياتها وحقوقها، وتعيش حياتها الطبيعية في موطنها الأصلي.

المصادر:

https://www.hsi.org/news-media/about/

https://sciencing.com/about-5035613-lie-detectors.html

https://www.humanesociety.org/all-our-fights/ending-cosmetics-animal-testing

https://www.peta.org/issues/animals-used-for-experimentation/animal-testing-101/

 

كتابة: شام منذر

تصميم: احمد الشحت

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق